مفهوم العنف

الثلاثاء، 27 أبريل 2021

مفهوم العنف

 

مجزوة السياسة:

مفهوم العنف

تقديم :

     يعتبر العنف ظاهرة إنسانية ارتبطت بالإنسان مند أيامه الأولى على الأرض،إذ لازم الحياة البشرية ،حيث اكتشفت إشارات تدل على سيادة العنف في كل ما خلفه الإنسان وراءه من أثار ،ويتخذ العنف أشكالا متعددة ،فإلى جانب العنف المادي والجسدي ،فنهاك العنف الرمزي الذي يعد عنفا لطيفا وعذبا ،ولعل ما يميز العنف هو كونه يسود الحياة الإنسانية في كافة مناحيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ...،ويعود السبب في انتشار العنف عبر التاريخ إلى مجموعة من الأسباب كالصراع الطبقي ،وتنافس الرغبات ..،ما يعني أن العنف لا يقتصر على الفرد والجماعات ،بل مرتبط أيضا بالسياسة ومؤسسات الدولة بشكل خاص،فهناك من اتخذ من العنف وسيلة للحفاظ على الاستقرار وصون الحقوق باعتباره وسيلة مشروعة ،وهناك من يرى في ممارسة العنف فعل غير مشروع ،ولا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال ،وهو ما جعل البعض أيضا يدعو إلى قيم التسامح والدعوة إلى اللاعنف بدل العنف وإحلال الاحترام والعقلانية مكان التعصب واللاتسامح.

   وقد أضحى العنف في العصر الراهن يحظى بالأهمية من طرف الباحثين والمفكرين باختلاف توجهاتهم الفكرية،وذلك نظرا لارتفاع وثيرة العنف خاصة خلال القرن الماضي الذي عرف فيه الإنسان أخطر مظاهر العنف وأشدها تدميرا سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو البيئة، فهو القرن الذي شهدت فيه البشرية أكثر الحروب تدميرا  وأكثر أشكال العنف قساوة وضراوة ،خاصة في ظل استغلال التطورات العلمية وتوظيفاتها التكنولوجية ،كل هذا يدفعنا إلى طرح التساؤلات التالية :

    ماذا نعني بالعنف؟ وما هي أشكاله؟ وما هي أسبابه ؟وكيف يتجسد العنف عبر التاريخ؟ وهل من المشروع استخدام العنف؟    

المحور الأول:أشكال العنف

التأطير الإشكالي للمحور:

إن  العنف واقع لا يمكن إنكاره ،والأكثر من ذلك إن العنف يتخذ أشكالا متعددة ومتباينة  من هنا نتساءل :ما هي أشكال هذا العنف ؟ وما هي تجلياته وتمظهراته ؟وهل يتوقف العنف على مظاهر العنف المادي الملموس والمرئي أم هناك أشكال  أخرى غير فيزيائية –رمزية- لهذا العنف ؟

1-موقف"ايف ميشو" العنف الجسدي

   يعتبر "ايف ميشو"على أن العنف هو السمة المميزة للعصر الراهن فقد تطورت أشكاله الفيزيائية بشكل لافت ،كما تطورت وسائل ممارسته ونشره وتصريفه بفضل التقدم التكنولوجي والعلمي والإعلامي الذي سهل على الإنسان استعماله بشكل فعال ومكثف خصوصا وأن بعض أشكاله تسير في اتجاه المشروعية كالتعذيب، والإعدامات والتهديدات الدبلوماسية والإرهاب ،وحق الدفاع والهجوم والمناورات العسكرية وغيرها من الأشكال التي أصبحت واقعا إعلاميا مكرسا بشكل يمكن معه القول بأن الإنسانية في طريقها نحو الفناء.

موقف "بيير بورديو" العنف الرمزي

    لا يمكن حصر العنف في أشكاله الفيزيائية المختلفة كما فعل "ايف ميشو"،بل قد يتخذ العنف أحيانا مظاهر غير مادية ،سواء بالنسبة للفاعل أو المفعول به كما يرى "بييربورديو"،بل غالبا ما يكون الإنسان متورطا في إنتاج العنف الممارس عليه دون أن يدري، وحينما يصبح الفرد مشاركا في إنتاج العنف المقبول تتحول طبيعة العنف من أشكاله التقليدية إلى عنف رمزي لطيف وعذب وغير محسوس يمارس في كافة مجالات الحياة،دون الاعتراف به كعنف ،مادام أنه أصبح شيئا ماديا وواقعا مألوفا.

المحور الثاني:العنف في التاريخ

التأطير الإشكالي للمحور :

مما لا شك فيه هو أن العنف رافق الكائن البشري منذ بدياته الأولى على الأرض  ،كما أن إلقاء نظرة على التاريخ الإنساني سنجد على أن مختلف الحقب والمراحل  عرفت  العنف  إلى الحد الذي أدى إلى اختفاء جماعات  واندثارها بالكامل . لكن ما أسباب هذا العنف ؟ وهل حاول الإنسان وقف هذا العنف  والحد منه ؟  وإذا كان الأمر كذلك.فما هي الطرق والآليات والميكانيزمات التي اعتمدها الإنسان لوقف استشراء العنف واستفحاله ؟

موقف"كارل ماركس" الصراع هو محرك التاريخ.

     يعتبر "كارل ماركس"أن تاريخ المجتمع البشري ما هو إلا تاريخ الصراع بين الطبقات ،بين الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج ،والطبقة التي لا تملك شيئا باستثناء قوة اليد،أي:بين الطبقة المهيمنة والطبقة المهيمن عليها،وهو الأمر الذي يولد الصراع نظرا لتعارض المصالح الاقتصادية .هذه السمة هي التي ميزت تاريخ المجتمع البشري منذ العصر البدائي،فعلى الرغم من ظهور المجتمع البرجوازي فإنه لم يقض على التعارض بين الطبقات ،بل ولد أشكالا جديدة من الهيمنة والصراع،وعليه فإن الصراع هو محرك التاريخ.وأن تاريخ المجتمع البشري ما هو إلا تاريخ الصراع بين الطبقات .

موقف "روني جيرار" العنف نتاج لتنافس الرغبات

   يقارب "روني جيرار" اشكالية العنف في التاريخ من منطلق انتروبولوجي ،ويعتبر على أن الصراع هو نتاج لتنافس الرغبات وتصادمها ،فالرغبات الإنسانية رغبات محاكاتية أي أنها تخضع لقانون المحاكاة ،الشيء الذي يولد التنافس حول الموضوع المرغوب فيه ،كما أن حدة التنافس تشتد كلما كانت الرغبة قوية في الموضوع المرغوب فيه ،وإذا كان التنافس لدي الحيوانات ينتهي باستسلام الطرف الأضعف للطرف الأقوى ،فإن الأمر بالنسبة للإنسان على خلاف ذلك ،حيث يقوم الأخير بأعمال العنف والانتقام المؤجل ،الشيء الذي يجعل من العنف لدى الإنسان عنفا معديا ،حيث ينتقل من الفرد إلى الجماعة ،ومن جماعة إلى أخرى ،فالعنف متجذر في التاريخ الإنساني، إذ يرجح علماء المستحثات البشرية أن تكون هناك جماعات بشرية قد قضت نحبها نتيجة العنف الممارس ،ولوقف العنف فقد اهتدى الإنسان إلى وضع ميكانيزمات وإوالية لوقف العنف ،وذلك عن طريق نقل العداء إلى ضحية واحة تكون حاملة لكل الرغبات المتنافسة، ومن بين هاته الإواليات  التي يعتبرها "جيرار" كأصل ومصدر لكل الطقوس هي كبش الفداء هذا الأخير الذي يحمل صبغة العدو.

المحور الثالث:العنف والمشروعية

إن لجوء الأفراد للدولة كتنظيم سياسي وقانوني كانت الغاية منه هو الحد من الصراعات ووقف العنف المستشري بينهم ،وبالتالي تجاوز حالة الفوضى والدمار والحرب المزرية بتعبير "توماس هوبس " ،و كانت الغاية من الدولة هي تحقيق الأمن والسلم والحرية ....لكن في مقابل ذلك فالدولة في ممارستها للسلطة  تعتمد على العنف ،والأكثر من  ذلك فهي تحتكر هذا العنف ولا تتردد في استعماله كلما تطلب الأمر ذلك  ،إلى الحد الذي جعل البعض يعتبر على أن الدولة جهاز مؤسس على العنف  من هنا نتساءل :ما الذي يبرر استخدام العنف من طرف الدولة ؟ وما طبيعة العنف الممارس من طرف الدولة ؟ وهل من حق الدولة ممارسة العنف ؟ وبأي معنى يكون عنف الدولة عنفا مشروعا ؟  

1-موقف"ماكس فيبر"الدولة جهاز مؤسس على العنف

    

    يتناول "عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبر"مسألة العنف في علاقته بالممارسة السياسية وبالدولة تحديدا هذه الأخيرة التي تقوم على العنف أو بالأحرى جهاز مؤسس على العنف كما قال "تروتسكي" ،فالدولة هي الجهاز الوحيد الموكول له حق ممارسة العنف ،خاصة وأن جوهر السلطة يقوم على العنف ومن دون هذا الأخير فإنه لا وجود لدولة ،بل ستعم الفوضى ،فحيازة الدولة للعنف واحتكاره معناه منع استعماله من طرف الأفراد ولا يحق لهؤلاء استعماله إلا حينما تسمح به الدولة.

    إن العلاقة بين الدولة وممارسة العنف جد وثيقة فهي المصدر الوحيد للحق في العنف ،كما أنها "تقوم على علاقة سيطرة يمارسها الإنسان على الإنسان ،وهي سيطرة تقوم على أساس استعمال العنف المشروع..."

 

2-موقف "غاندي" اللاعنف.

  يدافع الزعيم الهندي "غاندي" عن اللاعنف باعتباره هو الغياب التام للإرادة السيئة تجاه كل ما يحيا ...وهو إرادة طيبة تجاه كل ما يحيا...إنه حب مكتمل وكامل ...من هذا المنطلق يرفض "غاندي" كل أشكال العنف باعتباره لا يمكن أن يصلح أساسا لبناء أي شيء، كما أنه لن يجدي نفعا بوصفه :أي العنف- رذيلة وهو القانون الذي يحكم النوع الحيواني ،إلا أن هذا لا يعني الاستسلام والخضوع و التخلي عن المقاومة ،بل إن اللاعنف هو مقاومة أكثر جدوى وفعالية.هي مقاومة تكتسي قوتها مما هو روحي، لذلك فهي تتجاوز حدود القصاص " فاللاعنف في تصوري ليس تخليا عن كل صراع ضد الشر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مفهوما الحق والعدالة

مفهوم العنف