مفهوم العنف

مفهوم الدولة

   مفهوم الدولة

يطرح تعريف مفهوم الدولة مجموعة من الصعوبات نظرا لما يعرفه العالم من اختلاف في الأنظمة والحكومات وتباين الدساتير والقوانين الخاصة بكل دولة على حدة لكن يجب  أن نميز بين استعمالين لمصطلح الدولة ،الأول يرادف مفهوم الأمة باعتبارها تحيل إلى كيان بشري ذو خصائص تاريخية وجغرافية ولغوية وثقافية مشتركة ،أما الثاني فيشير إلى مجموع الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع ،حيث تقع تحت سيطرتها مجموعة من الأجهزة المدنية والعسكرية ،فهي بهذا المعنى مالكة للسلطة على المجتمع في مختلف الميادين وهذا مايجعلها حاضرة في حياة كل فرد داخل المجتمع ولاشيء يتحقق دون مباركتها وتقوم الدولة بمهمتين حيويتين :الأولى تكمن في إشاعة النظام وتحقيق الأمن من خلال تأمين الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع (تعليم ،صحة ،رعاية ...)وتطلعات نحو المستقبل والحرية أما الثانية فهي المحافظة على الوحدة الاجتماعية والصالح العام ولو تطلب ذلك اللجوء إلى استعمال القوة والعنف.من خلال ما سبق يتبين أن مفهوم الدولة مرتبط بممارسة السلطة وفق مؤسسات تنظم علاقات الناس حسب ماتقتضيه المصلحة العامة ،ومن هنا تحرص الدولة على مشروعيتها لممارسة سلطتها السياسية وتبرير هيمنتها والعنف الذي تمارسه باسم الحق العام مما يجعلنا نتساءل:
ü    من أين تستمد الدولة مشروعيتها هل من الحق أم من القوة ؟وما الغاية منها؟
ü    ما طبيعة وأسس السلطة السياسية ؟ هل تكمن في أجهزة الدولة المركزية أم أنها قوى مشتتة وموزعة تخترق المجتمع ؟ هل السلطة متعالية أم محايثة للمجال الذي تمارس فيه ؟
ü    كيف تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون ،بالحق أم بالعنف؟
المحور الأول :مشروعية الدولة وغاياتها.

1 – موقف "ماكس فيبر "أسس المشروعية.

    يؤكد "عالم الإجتماع الألماني "ماكس فيبر" في كتابه "العالم والسياسي "على أن غاية الدولة هي ممارسة السلطة السياسية ،كما أنه يميز بين ثلاثة أسس للمشروعية. هناك أولا: سلطة "الأمس الأزلي" أي سلطة العادات و التقاليد التي تكرسها صلاحيتها العتيقة، و عادة احترامها المتجذرة في الإنسان و تلك هي السلطة التقليدية التي كان الأب الأكبر أو الشيخ يمارسها في الماضي.
ثانيا : هناك السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما (الكاريزما). و هي سلطة تتميز بتفاني الرعية تجاه القضايا التي يدعو لها هذا الإنسان الملهم أو المتميز أو المتمتع في نظرهم بصفات خارقة، و ببطولات نادرة و بالميزات الأخرى التي تجعل منه زعيما متميزا. هذه هي السلطة "اللدنية" الكارزمية" التي كان يتمتع بها الأنبياء و يمارسونها. و في المجال السياسي يمارسها رئيس أركان الحرب المنتخب أو العاهل الملهم، أو الديماغوجي الكبير أو زعيم الحزب السياسي.
ثالثا: هناك أخيرا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية، أي بفضل الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع و كفاءة إيجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية. فهي السلطة القائمة على أساس الامتثال للواجبات و الالتزامات المطابقة لقوانين النظام القائمة. و هذه هي السلطة كما يمارسها "خادم الدولة" الحديثة و كل الذين يمسكون بزمام السلطة و الذين يعملون في هذا الإطار معه.
2-موقف "توماس هوبس"الغاية من الدولة هي تحقيق السلم.
    ينطلق "توماس هوبس" في بناء نظريته السياسية من حالة الطبيعة كحالة افتراضية تقوم على افتراض عدم وجود سلطة ،وبالتالي فإنها تتميز بالعنف والفوضى والحرب المزرية ،فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان كما يقول "هوبس" ،ولذلك كان لزاما على الأفراد الانتقال من حالة الطبيعة إلى المجتمع المنظم القائم على التعاقد هذا الأخير الذي يقوم على تنازل الأفراد عن كل حقوقهم للحاكم مقابل التزامه بضمان السلم والأمن ،فالدولة نتاج للتعاقد وأن الغاية التي أنشئت من أجلها هي الحفاظ على السلم.

3-موقف "باروخ سبينوزا" الغاية من الدولة هي ضمان حرية التفكير.
    يعتبر "يبينوزا" على أن الغاية من الدولة ليست إرهاب الناس وجعلهم  يقعون تحت سيطرة الأخرين ،وإنما الغاية منها تحقيق الحرية والأمن  وإتاحة الفرصة للأفراد من أجل التعبير عن مواقفهم وأفكارهم شريطة عدم الإضرار بالدولة وبالغير ،ويندرج هذا التصور ضمن التصور التعاقدي  الذي يعتبر أن أساس قيام الدولة هو التعاقد  ففي هذا السياق يؤكد "سبينوزا"  على أنه كان من الضروري على الأفراد الاتفاق فيما بينهم  وتنازلهم عن الحق في التصرف كما يشاؤون ووفق ما يمليه عليهم قرارهم الشخصي، لأن الشرط الوحيد لقيام الدولة هو أن  تنبع سلطة القرار من الجماعة أو من بعض الأفراد  أو من فرد واحد، لأنه لو ترك الأفراد يعبرون بطريقة واحدة فمن المستحيل أن يتحقق السلم  ومقابل هذا التنازل يتمتع الأفراد بحرية كاملة في التعبير عن آرائهم وأفكارهم مع بقائهم متمتعين بهذا الحق مادام تفكيرهم قائما على مبادئ العقل واحترام الآخرين وأيضا ما دام الفرد لم يقم بأي فعل من شانه إلحاق الضرر بالدولة.         

4-موقف هيغل الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية

     ينتقد "هيغل"التصور التعاقدي الذي يعتبر الدولة كنتاج للتعاقد الإرادي الحر بين أفراد الشعب ،لأن الدولة في نظره تجسيد للعقل وإرادة جوهرية تذوب فيها الإرادات الفردية والحريات الفردية،لتتحول إلى حرية أسمى وإرادة أصيلة تتماهى بالإرادة الجوهرية للدولة كما ينتقد "هيغل" فلاسفة العقد الاجتماعي اللذين يعتبرون الدولة كوسيلة لتحقيق الأمن والسلام وحفظ الملكية...بشكل يخلط بين المجتمع المدني الذي يراعي مصلحة أفراده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،وبين طبيعة الدولة باعتبارها غاية في ذاتها وتجاوز مصلحة الأفراد من أجل تحقيق الروح الكلية وتموضعها.
المحور الثاني:طبيعة السلطة السياسية

موقف "ابن خلدون" السياسة رفق واعتدال.

    يعتبر "ابن خلدون" على أن سلطة الحاكم(السلطان) يجب أن تقوم على الرفق والاعتدال، بحيث يجب على الحاكم أن يخدم مصالح رعاياه ويهتم بهم ويعمل على الرفق بهم ،أما إذا بطش الحاكم برعاياه وعمل على قهرهم وأصابهم بالذل والخوف ، فإن ذلك سيكون وبالا عليه ولا يمكنه أن يعتمد عليهم في حالة الحرب والعدوان ،والحال إذا كان رفيقا بهم فذلك سيكون سببا لمحبته والالتفاف حوله، وليس الرفق وحده هو الذي يمكنه أن يكون أساس ممارسة السلطة ،وإنما ينبغي أن يكون السلطان(الحاكم)معتدلا .بمعن آخر لا ينبغي الإفراط والمبالغة في الرفق إلى حد كبير، بل يستحسن التوسط في الأمر، لأن السياسة  رفق واعتدال وليست تسلطا وتطرفا .

 2 موقف" لويس ألتوسير" الدولة هي مجموعة من الأجهزة

     يميز "لوي ألتوسير" بين نوعين من الأجهزة ،فهناك الأجهزة القمعية والتي وردت في الأدبيات الماركسية وتتمثل في ،الجيش، الشرطة، المحاكم، السجون...،وهناك الأجهزة الإيديولوجية التي تمارس هي الأخرى السلطة ،ولكن بطريقة مختلفة ومغايرة،وتجدر الإشارة إلى أن مايمثل هاته السلطة هو مجموعة من الأجهزة من قبيل المدرسة،الإعلام،الجهاز الديني،والعائلة،...،ويكمن الفرق بين الجهازين في كون الجهاز القمعي هو جهاز واحد وموحد،وينتمي كله إلى المجال العمومي في حين يتسم الجهاز الإيديولوجي بالتعدد وتظل ممارسته غير منظورة بشكل مباشر،كما أنه ينتمي للمجال الخاص كما هو الشأن بالنسبة للكنائس والمدارس والنقابات.

3 موقف "ميشيل فوكو" السلطة حاضرة في مكان.

    يعتبر "ميشيل فوكو" أن السلطة ليست هي مجموعة من المؤسسات والأجهزة التي تخضع المواطنين تحتها،وفي مقابل ذلك يقدم تصورا أصيلا ومغايرا للسلطة باعتبارها هي علاقات القوى المتعددة والتي تكون محايثة للمجال الذي تمارس فيه ،فالسلطة تطلق على وضعية إستراتيجية معقدة داخل مجتمع معين،ما يعني أنها ممتدة في مناحي الجسم الاجتماعي وحاضرة في كل مكان وتتولد في كل لحظة،ولا تنحصر في المجال السياسي كما يرى البعض ،بل منبثة في كل ثنايا المجتمع من خلال علاقات استراتيجية معقدة ،فهي محايثة للمجال الذي تمارس فيه،وليست متعالية .
المحور الثالث:الدولة بين الحق والعنف

  موفف "نيكولا مكيافيل" ضرورة الجمع بين العنف أو بالقوانين.

     يقدم "مكيافيل" تصورا واقعيا لممارسة السلطة السياسية،حيث يرى ضرورة الجمع بين طريقتين وهما :الهيمنة بالعنف أو بالقوانين"فيجب على الأمير أن يكون أسدا لإرهاب الذئاب وثعلبا للتعرف على مكامن الشراك.."فعليه إذا أن يجمع بين الوسيلتين معا ولو على سبيل التظاهر،وذلك للمحافظة على كيان الدولة وضمان استقرارها ،غير أن هذا لا يمنع من ضرورة اتصاف الحاكم بمجموعة من الصفات الإنسانية كالرحمة والوفاء والنزاهة والتدين...مع التخلي عن هذه الصفات إذا اقتضى الأمر ذلك،إذ ينبغي على الأمير أن يتوفر على كل المهارات والقدرات سواء الأخلاقية المرتبطة بالفضيلة أو تلك المعتمدة على المكر والخديعة والدهاء واللجوء إلى العنف في الوقت المناسب،ما يعني ضرورة الجمع بين الوسائل المشروعة ،وغير المشروعة عملا بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"بغاية الحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها.

موقف "فريدريك انجلز" الدولة نتاج للصراع الطبقي.

     تعتبر الدولة من منظور "فريدريك انجلز" نتاجا للصراع الطبقي وهو الطرح الذي أكدت عليه الفلسفة الماركسية،فالدولة ليست هي الصورة المطلقة لظهور العقل في التاريخ كما قال "هيجل" بل إن ظهور الدولة كان بفعل الصراع بين الطبقات نظرا لتعارض المصالح الاقتصادية بينها،الشيء الذي يولد صراعا يهدد باندثار المجتمع ،ويفرض وجود سلطة عليا فوق المجتمع والعمل على التقليل من حدة الصراع والإبقاء عليه في حدود النظام.

3 موقف "ماكس فيبر" الدولة جهاز مؤسس على العنف

      يعتبر "ماكس فيبر"  على أن الدولة جهاز مؤسس على العنف ،بحيث لا يمكن      للدولة أن تقوم إلا بممارسة السلطة والهيمنة  والاعتماد على العنف المادي المشروع ، ولولا العنف لا اختفت الدولة منذ عصور خلت  ولا حلت الفوضى ، وعليه فإن علاقة الدولة بالعنف علاقة حميمية  وجد وطيدة ،فهو وسيلتها الخاصة والنوعية ،وهي التي لها الحق في ممارسته واحتكاره باعتبارها الجهاز الوحيد الموكول له أحقية  استعماله، ما يعني أن الدولة جهاز مؤسس على العنف كما ذهب إلى ذلك الزعيم الروسي" تروتسكي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مفهوما الحق والعدالة

مفهوم العنف