مفهوم العنف

مفهوم الغير


مفهوم الغير:
وضعية الانطلاق:

          "لقد توصلت الآن إلى قناعة مفادها أن الأرض التي عليها تطأ قدمي تحتاج كي لا تهتز، إلى آخرين غيري ليعمروها ،إن الحصن الأكثر أمانا ضد الوهم البصري، وضد الاستيهامات ،وضد حلم اليقظة ،والهذيان، واضطراب السمع .....هو أخونا ،وجارنا ،وصديقنا أو عدونا ،مهما كان هدا الغير."
Michel Tournier


من  هو الغير؟ وهل وجود ضروري إلى هذا الحد ؟  وهل يمكن أن يكون الغير سبيلا لإدراك ذواتنا؟ وما طبيعة العلاقة التي يمكن أن تجمعنا بهذا الغير؟ 

تقديم إشكالي 
 يدل مفهوم الغير في التمثل الشائع على معنى الآخر المتميز عن الأنا الفردية أو الجماعية –النحن-.والمختلف عنه لأسباب عرقية ،ثقافية، اجتماعية، دينية....
    و يحيلنا مفهوم الغير في اللغة العربية على معاني الغيرة والاستثناء: غير، سوى، ليس....  ويعرفه "جميل صليبا" في معجمه  بالقول" ولفظ الغير في علو النفس مقابل للفظ الأنا ،فكل ما كان موجودا خارج الذات المدركة أو مستقلا عنها كان غيرها .ونحن نطلق على الشيء الموجود خارج الأنا اسم  اللأنا  أو الآخر ،فالانا إذن هو الذات المفكرة والموضوع الخارجي هو الآخر.."
أما في اللغة الفرنسية فإن لفظ الغير:  autrui ،فتعني الأخر من الناس فقط ، بخلاف كلمة l’autre التي تدل على الأخر من الناس وباقي الأشياء الأخرى.
وفي الدلالة الفلسفية  فإن مفهوم الغير يشير إلى الأنا الذي ليس أنا ،أي إلى الذات الأخرى التي تشبهني وتختلف عني.
  ويعتبر مفهوم الغير من المفاهيم  التي لم تعرف حضورا إلا مع فلسفة "هيجل" ولقيت اهتماما من طرف أغلب رواد الفلسفة المعاصرة مثل "هايدغر،. وسارتر ،وماكس شيلر، والفلسفة الظاهراتية مع كل من "هوسرل وميرلوبونتي..،باعتباره مفهوما إشكاليا وأحد الأبعاد الرئيسية التي تسم الوضع البشري ،فالوجود البشري هو وجود علائقي بالدرجة الأولى ،فالشخص لا يعيش وحيد ومعزولا عن الآخرين ،وإنما هو وجود ينتمي إلى عالم الآخرين ،أو بعبارة "هايدغر" الوجود في العالم - هو وجود في العالم مع – ولم يكتف هؤلاء الفلاسفة بالنظر في الغير في بعده –الأنطلوجي/الوجودي- بل  انصب الاهتمام على  الغير لكن بعده المعرفي-الابيستيمي- وبعده العلائقي /التفاعلي ،أي من خلال العلاقة مع الغير ،وإذا كانت إشكالية معرفة الغير قد أفرزت تصورين أحدهما أقر بإمكانية معرفة الغير والآخر أكد استحالة ذلك ،فإن العلاقة مع الغير شهدت من العديد من التصورات  كل منها رصد شكلا من أشكال هذه العلاقة  ،وذلك تبعا للمرجعية  الفلسفية والمنطلقات الفكرية لكل فيلسوف، وهكذا إذا كانت الفلسفة اليونانية-أفلاطون/أرسطو- ذات المنزع الأخلاقي قد جعلت من الصداقة هي أساس العلاقة مع الغير ،فإن الفلسفة المعاصرة ستركز على الوجه السلبي للعلاقة مع الغير والذي يأخذ  طابع -النفي والتهديد والصراع والغرابة....
لذلك سنعمل على الغوص في ثنايا هذا المفهوم  ومقاربته انطلاقا التساؤلات التالية:
هل وجود الغير ضروري لوجود الأنا ؟ وإذا كان وجوده ضروري فما مبرر هذه الضرورة؟  ألا يمكن للآنا أن تستغني عن  هذا الغير وتعيش في عزلة تامة ؟ هل معرفةالغير ممكنة أم
مستحيلة ؟  وما هي أشكال العلاقة مع الغير ؟     


المحور الأول :وجود الغير 
التأطير الإشكالي للمحور :        
 يتفق أغلب الفلاسفة الذين قاربوا إشكالية الغير في بعدها الوجودي ،على أن وجود الأنا هو وجود مع الغير ،فالشخص لا يعيش وحيدا ومعزولا عن الآخرين ،وإنما يوجد إلى جانب الغير ،بحيث يتقاسمان العالم الذي يعيشان فيه، أكثر من ذلك أكدوا على أن وجود هذا الغير ضروري للانا .فما الذي يجعل وجود الغير وجودا ضروريا للآنا ؟بمعنى آخر ما مبرر هذه الضرورة ؟ألا يمكن للآنا أن تستغني عن الأنا وتعيش في عزلة ؟ ألا يشكل وجود الغير عائقا أمام حرية الأنا ؟
                                                  
موقف "رينيه ديكارت " 

   يعتبر "ديكارت"-1596-1650- على أن وجود الأنا رهين بوجود الفكر، بحيث لا يمكن الحديث  عن الشخص إلا باعتباره كائنا مفكرا وواعيا بذاته ،ويعد الوعي بالذات وإدراكها لذاتها حقيقة بديهية توصل إليها "ديكارت «من خلال تجربة الشك وعبر عنها من خلال الكوجيتو" أنا أفكر،إذن أنا موجود". فالشك دليل على وجوده كذات مفكرة تعي ذاتها بداتها ،مادام الشك فعل من أفعال التفكير .لكن إذا كان مفهوم الذات  قد شهد حضورا قويا  في فلسفة ديكارت حتى أصبحت تعرف بالفلسفة الذاتية ،فإنه في مقابل ذلك أقصى الغير واعتبره جسما متحركا كباقي الأشياء الأخرى، وشكك في وجوده وأهميته  بالنسبة للآنا ،وهو ما يعبر عنه بقوله «أُطِلُّ من النافذة فلا أرى سوى قبعات ومعاطف ولا  أرى أشخاصا" فالوجود الحقيقي هو وجود الأنا كذات مفكرة تعي ذاتها بذاتها وبكل وضوح وتميز ،وتعتمد على إمكاناتها الذاتية والخاصة بمعزل عن الغير الذي يعد غير ضروري بالنسبة للآنا .[1]
     2 - موقف "فريدريك هيجل"1770-1831
   إذا كان "ديكارت"قد أقصى الغير واعتبره طرفا غير ضروري للآنا، فإن هيجل ذهب بخلاف ذلك معتبر أن الغير ضروري للأنا وشرط أساسي لكي تعي الذات ذاتها ،رغم العلاقة التي يطبعا الصراع  حول نيل الاعتراف وتحقيق الوعي بالذات ،إلا أن هذا الصراع لا يتم بشكل سلمي وإنما ينتزع ،حيث يدخل الطرفان –الأنا والغير-أو كما عبر عنه هيجل بين العبد والسيد في صراع من أجل نيل هذا الاعتراف ،لكن لما كان الصراع سيؤدي إلى موت أحد الخصمين ،وبالتالي عدم تحقق هذا الاعتراف ،فإن أحدهما  يتنازل ويخضع للطرف الآخر أي ما يعرف بجدلية السيد والعبد الجدلية الهيجلية .حيث يضطر العبد الخضوع للسيد  والاعتراف به كسيد كما أن هدا الأخير يعترف بالعبد كعبد ،ومن تمة نصبح أمام وعيين وعي مستقل-المنتصر-ووعي تابع –المنهزم- .وبذلك يعد الصراع شيء ضروري لتحقيق الاعتراف ومعه الوعي بالذات ،الذي لا يتأتى إلا من خلال وجود الغير .هذا الأخير الذي يعد ضروريا لوجود الأنا كذات حرة ومستقلة .
3-موقف "سارتر"
        لقد حضي مفهوم الغير بمكانة محورية  داخل فلسفة سارتر، والغير في منظوره هو الأنا الذي ليس أنا وهو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني وبين نفسي ،غير أن العلاقة التي تجمع بين كل من الأنا والغير تحددها النظرة ،فكل ذات تنظر للذات الأخرى أو بمعنى أخر فالغير هو من أشاهده ويشاهدني .الأمر الذي يجعل كلاهما يتحول إلى موضوع خارجي قابل للملاحظة والمعاينة ويسقط في بؤرة التشييء ويصبح كيان محتشم فاقدا لعفويته وتلقائيته ،أو بعبارة أخرى منزوع الحرية، وهو ما يتجلى في تجربة الخجل هذا الأخير هو خجل أمام الذات الأخرى وتعبير عن حضور الغير أما الذات، بيد أن هذا الحضور يشكل مصدر تهديد وجحيم بالنسبة      للذات ، إن الآخرون هم الجحيم  autres c’est  l’enfer les  كما  يؤكد سارتر .لكن رغم ما يطرحه الغير من مشكلات فإن وجوده  يعتبر شيئا ضروريا وشرطا أساسيا بالنسبة للآنا فهو الوسيط الذي لا غنى عنه كي تعي الذات ذاتها كذات حرة وواعية ومستقلة.

ü   خلاصة تركيبة للمحور :
    حاصل القول إن تناول إشكالية الغير في بعدها الوجودي لم تتبلور إلا مع هيجل والفلسفات المعاصرة التي أكدت أهمية الغير وضرورة وجوده إلى جانب الأنا  باعتباره ضرورة أنطلوجية وهو ذلك الوسيط الذي لا يمكن الاستغناء عنه ،فلكي تدرك الذات ذاتها وتعي وجودها فلابد من وجود الغير باعتباره ذلك الوسيط الذي لا غنى عنه  من أجل إدراك ذواتنا  وتحقيق الوعي بالذات هذا الوعي لا يستقيم إلا بوجود الغير ،بخلاف ما ذهب إليه "ديكارت" الذي جعل الوعي بالذات لا يتوقف على الغير ،بل إنه يتحقق بعيدا عن هذا الغير وبمعزل عنه ،إن الغير مشكوك في وجوده وفي أحسن الأحوال وجوده وجود افتراضي /احتمالي لا يختلف عن الأشياء الأخرى ،والأنا بإمكانه أن يعيش وحيدا منعزلا وبعيدا عن الآخرين .
المحور الثاني :معرفة الغير 
التأطير الإشكالي للمحور :
إن النظر من طرف الفلاسفة في إشكالية وجود الغير ،والإقرار بضرورة وجوده دفع بهم إلى البحث في إشكالية معرفة هذا الغير من عدمها .وإذا كان البعض منهم قد أكد استحالة هذه المعرفة ،وحتى إذا تم الوصول إلى معرفة بخصوص هذا الغير فإنها تظل مجرد معرفة نسبية/احتمالية. فإن  بعض الفلاسفة الآخرين اعتبروا أن هذه المعرفة ممكنة. هذا التباين والتعارض في المواقف  يدفعنا إلى طرح بعض التساؤلات :ما طبيعة معرفتنا بالغير؟ إذا كانت معرفة الغير غير ممكنة فما الذي يحول دون ذلك ؟  أليست معرفتنا بالغير ممكنة شريطة التواصل والحوار مع هذا الغير؟

ü موقف نيكولامالبرانش    معرفة الغير معرفة احتمالية وافتراضية /نسبيةوغير يقينية

     يتطرق "مالبرانش لإشكالية معرفة الغير ،وذلك من منطلق نزعته العقلانية التي تعود لديكارت .هذه الفلسفة التي أقرت مركزية الأنا وجعلت منها هي أساس الوعي وإدراك الذات لذاتها بمعزل عن الغير هذا الأخير الذي اعتبر وجوده مشكوكا فيه، ولقد اعتبر مالبرانش "على أن معرفة الغير غير ممكنة أو بالأحرى تظل معرفة نسبية واحتمالية مادامت تقوم على الإسقاط والمماثلة والتخمين...،بحيث تقوم الأنا بالحكم على مشاعر وأحاسيس الآخرين اعتمادا على المماثلة ،والحال أنه ليس من الضروري أن يكون ما نحس به نحن يحس به الغير أو ما يحس به هذا الأخير نحس به نحن أيضا ،بل تظل مجرد احتمالات وتخمينات  وافتراضات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة ،الشيء الذي يجعل من هذه المعرفة معرفة نسبية وتقريبية لا ترقى إلى درجة اليقين ،والأكثر من ذلك ، فالمعرفة التي نكونها عن الآخرين كما يؤكد "مالبرانش" كثيرا ما تكون معرضة للخطأ إذا ما نحن اكتفينا بالحكم عليهم اعتمادا على الإحساسات التي كوناها عن أنفسنا..."
2- موقف "موريس ميرلوبونتي " معرفة الغير ممكنة شريطة التواصل والحوار والتعاطف معه
   يعتبر "ميرلوبونتي" على أن نظرة  كل من الأنا والغير لا تحول كلاهما إلى موضوع ،إلا في حالة الانغلاق والتعالي ورفض التواصل وتبادل نظرة لا إنسانية ،وما عدا ذلك فإنه بمجرد أن ينطق أحدهما بكلمة حتى ينشأ نوع من التواصل والحوار، وتصبح معرفة الغير ممكنة ،فالانا باستطاعتها ولوج عالم الغير والنفاذ إلى أعماقه  شريطة التخلي عن الانعزال والتعالي ،وفي مقابل ذلك الانفتاح على هذا الغير والتواصل معه والاعتراف به كذات واعية ومستقلة ،وبهذا يكون "ميرلوبونتي"قد تجاوز نزعة الأنا الوحدية التي تنظر للآنا  كذات منعزلة وتعتبر وجود الغير وجود احتمالي وافتراضي وبالتالي لا يمكن معرفته معرفة يقينية مطلقة . والحال  أن وجود الأنا  إلى جانب الغير يستلزم أن تجمع بينهما علاقة أساسها الحوار والتعاطف والمشاركة الوجدانية لأن مجال العلاقات هو مجال بين-ذاتية أي مجال التفاعل مع الغير ،وحتى الفلاسفة الذين يعتقد على أنهم منعزلون في خلوتهم التأملية ،فهم ليسوا كذلك  ففي عزلتهم وخلوتهم التأملية فهم يحملون معهم هموم وأفراح وانشغالات ومشاكل الآخرين.
3- موقف "غاستون بيرجي" الغير عالم مغلق وسجن منيع يصعب النفاذ إلى عالمه 
   يؤكد "غاستون بيرجي" على أن معرفة الغير غير ممكنة ،فلأنا تعيش عزلة وتجربة حميمية، وهو ما يشكل عائقا أما معرفة الغير، فالتجربة الخاصة غير قابلة للنقل والإخبار. الشيء الذي يجعل الغير غير قادر على النفاذ إلى عالم الأنا كما أن هذا الأخير بدوره ليس باستطاعته اقتحام عالم الغير ،فلكل منهما تجربته الخاصة والمتفردة وغير القابلة للتكرار. وبين الأنا والغير جدار سميك وسجن منيع لا يمكن  لا يمكن لأي منهما تجاوزه واقتحام عالم الداخلي. 
ü   خلاصة تركيبية للمحور
  حاصل القول إن تناول إشكالية الغير في بعدها المعرفي-الابيستيمي-من طرف الفلاسفة أفرز موقفين أساسيين أحدهما اعتبر أن معرفة الغير غير ممكنة وفي أحسن الأحوال تكون معرفة نسبية وتقريبية لا ترقى إلى درجة اليقين  مادام أن  الوجود الحقيقي واليقيني هو وجود الذات .ما عدا ذلك فالغير يدخل في خانة الأشياء والموضوعات التي يصعب معرفتها .كما أن التجربة الذاتية والخاصة لكل من الأنا والغير تجعل كل منهما عالما مغلقا وسجن منيع يصعب النفاذ إلى عالمه الداخلي. أما التصور الثاني فقد  خالف هذه التصورات واعتبر على أن معرفة الغير ممكنة شريطة التواصل والتعاطف  وفتح قنوات الحوار، وفي مقابل ذلك تجاوز الانعزال والانغلاق والتعالي  ورفض هذا الغير أو النظر إليه نظرة لا إنسانية.
  إن  لا بديل اليوم عن التواصل والحوار والرهان على كل القيم الإنسانية التي من شأنها أن تقلص وتحد من مختلف المطبات والمعضلات التي يعيشها الانسان المعاصر اليوم، ولذلك فهو في أمس الحاجة لقيم انسانية كونية 
المحور الثالث : العلاقة مع الغير 
التأطير الإشكالي للمحور :
يعد الإنسان كائنا اجتماعيا ،باعتباره  يوجد إلى جانب الغير وينزع نحو الاقتراب من الآخرين والدخول معهم في علاقات وجدانية تفاعلية وتبادلية ، لكن ما أساس العلاقة مع الغير؟  هل العلاقة مع الغير علاقة صداقة  ومحبة أم  صراع وتنافس؟
1- موقف "أرسطو" الصداقة أساس العلاقة مع الغير 
ركز "أرسطو" على الوجه الايجابي للعلاقة مع الغير ،مؤكدا على أن هذه العلاقة ينبغي أن تقوم على الصداقة باعتبارها ضرب من الفضيلة وهي أشد الحاجات ضرورة للإنسان  الذي يعتبر كائنا اجتماعيا بطبعه وقدره التواجد داخل الجماعة مع بني جنسه ،ليحقق انسانيته التي لا تستقيم إلا بوجوده داخل المجتمع .فهو في حاجة للآخرين مهما كانت مرتبته الاجتماعية وفئته العمرية ،وهكذا فالشاب محتاج إلى أصدقاء  كي ينصحونه ،والمسن في للحاجة للأصدقاء من أجل مساعدته ،وحتى صاحب الثروة  فلا  بد له من الأصدقاء ،وذلك لمساعدته على حماية ثروته .
   إن الصداقة ليست ضرورية فحسب وإنما جميلة وشريفة ،فهي أساس تفشي المحبة والعدل بين الناس باعتبارها تقوم على التعاون والمحبة ...،وهي السبيل إلى بناء مجتمع انساني يسعى إلى تحقيق السعادة والفضيلة .غير أن أرسطو يميز بين ثلاثة أنواع من الصداقة وهي :صداقة الفضيلة وهي صداقة دائمة التي تهدف إلى أية منفعة أو مصلحة ،وصداقتا الممتعة والمنفعة وهما صداقتان زائلتان  تنتهيان بمجرد انتهاء المصلحة والمنفعة
2-موقف "أوغيست كونت"
   يعتبر "أوغيست كونت "الفيلسوف الفرنسي ورائد الفلسفة الوضعية  على أن العلاقة مع الغير يجب أن تقوم وتتأسس على الغيرية ونكران الذات والتضحية من أجل الآخرين فالغيرية هي الكفيلة بتثبيت مشاعر التعاطف والمحبة بين الناس، وتحقق بذلك الإنسانية غاياتها الكبرى والمتمثلة في نشر قيم العلم والمعرفة والتضامن والاستقرار  وترسيخ هذه القيم داخل المجتمع هو السبيل لتطوير المجتمع البشري ،فالغيرية قيمة مثلى يتجاوز الإنسان من خلالها أنانيته وذاتيته وينتصر على غريزته  ويحيا من أجل الآخرين .
3- الوجه السلبي للعلاقة مع الغير
ü    "هيجل " "سارتر" " هايدغر" /الصراع /النفي/التهديد

   رغم أهمية الغير وضرورة وجوده بالنسبة ،وكما يوضح ذلك "ألكسند كوجيف" في قراءته لفلسفة "هيجل" فإن ما يطبع العلاقة بين الأنا والغير هو الصراع ،وذلك حول نيل الاعتراف ومعه الوعي بالذات ،إذ ينشأ صراع بين السيد والعبد من  نزع السيادة وفرض الهيمنة ،ولكن لما كان الصراع سيؤدي  إلى موت أحد الخصمين فإن  احدهما يضطر للاعتراف بالأخر كسيد والاعتراف بالذات كعبد لذلك السيد  ومن تم فان السمة الأساسية للعلاقة مع الغير تتجلى في الصراع وفرض الهيمنة .خاصة أن تاريخ البشرية من منظور  هيجل ما هو الا تاريخ تفاعل السيادة والعبودية .وفي نفس السياق أي النظر في الوجه السلبي  للعلاقة التي تجمع بين الانا والغير  يؤكد رائد الوجودية جان بول سارتر على  العلاقة بينهما-الانا والغير-تحددها النظرة  فكل ذات تنظر للذات الأخرى .الشيء الذي يحول كل منهما الى موضوع خارجي وكيان محتشم وغير قادر على التصرف بعفوية وتلقائية مما ينبئ بفقدان أهم محدد للذات والمتمثل في الحرية ومن تم فان ما يطبع العلاقة بين الأنا والغير هو السلب والنفي أما هايدغر فقد اعتبر على أن وجود الأنا هو وجود مع الغير إلا أن هذا الأخير يشكل تهديدا للأنا ويجعل هذا الأخير مهدد بفقدان هويته التي تقوم على الاختلاف والتعدد والتمايز....إذ أن وجود الأنا الى جانب –الهم- في الحياة اليومية المشتركة يذيب الذات ويجعل منها ذاتا متشابهة فاقدة لكينونتها التي يفترض أن تقوم على التمايز والاختلاف .



[1]   يجسد هذا التصور تجربة ديكارت الشخصية ،بحيث عاش بعيدا عن متنقلا بين البلدان الأوروبية ،وكتب أهم مؤلفاته وهو في عزلته ،إلى درجة أنه كتب أغلب كتبه وهو على فراشه ،ما يعني أنه كان يفضل العزلة والابتعاد بحيث يقول في هدا الصدد "من عاش بعيدا عاش سعيدا"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مفهوما الحق والعدالة

مفهوم العنف